ما بين قوامة الزوج ورغبة الزوجة في المساواة

ما بين قوامة الزوج ورغبة الزوجة في المساواة
 كثيراً ما تثور الخلافات الزوجية بسبب هذه النقطة، فالزوج يتمسك بقوامته، بينما تطالب المرأة دائماً بالمساواة، وفي ظل تلك الفجوة بين رغبة كل منهما تزداد الخلافات، إن الأمر يحتاج لكثير من التحليل والتمحيص، بل يحتاج لطرح النقاش والحلول بشكل عملي بشكل يصلح معه لتطبيق الحلول التي يتم التوصل إليها، وفي 
سبيل محاولتنا لتحليل الأمر بموضوعية نطرح أهم النقاط التي سنتحدث عنها في هذا المقال:

  • أولا: المفهوم الصحيح للقوامة
  • ثانياً: هل تتعارض المساواة مع القوامة
  • ثالثاً: كيفية احتواء الخلاف


ولنتحدث بوضوح عن كل بند في هذا الموضوع لتتضح الصورة بشكل أفضل من خلال السطور التالية:

  • أولاً: المفهوم الصحيح للقوامة

مفهوم خاطئ
من المفاهيم الخاطئة التي أصبحت مترسخة في أذهان شريحة كبيرة من الرجال وصارت متوارثة دون أن تتعرض للتوضيح والتفسير أن القوامة تعني السيطرة المطلقة للرجل وطاعة المرأة العمياء في كل ما يطلبه دون النظر إلى إمكانية النقاش والتفاهم، ولعل ذلك يرجع إلى قلة الوعي والثقافة سواء لدى الرجل الذي يتمسك بظاهر الكلمة وتقيده بالعادات والتقاليد دون التطرق لمدلولها الصحيح، أو لدى المرأة التي لا تجيد الحديث وطرح الرأي والنقاش دون أن تُشعر الزوج بأنها تريد أن تخلع ثوب الطاعة وترفع راية العصيان.
المفهوم الصحيح
إن القوامة لا تُفسر أبداً هكذا، ولعلنا لا نجد قدوة أكثر من سيد الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان مثالاً ونموذجاً يُحتذى به في تعاملاته مع المرأة، فلم يرد في الأخبار أو الآثار ما يشير إلى أنه تعامل مع زوجاته على أساس القوامة بالمعنى المنتشر في زماننا هذا، فالقوامة هي تحمل الرجل للمسئوليات وأعباء الحياة ومشاركة المرأة له على أن تكون القيادة له لما يحمله من قوة بدنية ونفسية أكثر من المرأة وذلك بحكم طبيعة كل منهما، ولعل هذا ما يحتاج الجميع لفهمه بخصوص القوامة.


  • ثانياً: هل تتعارض المساواة مع القوامة؟

قد يبدو للبعض أن إعطاء المرأة قدراً من المساواة في بعض الحقوق يتعارض مع القوامة اللازمة للرجل والتي تحظى بقدسية خاصة لدى الرجال، بل إن هذا الاعتقاد يكون سبباً رئيسياً في نشوء الخلاف، وحتى نستطيع تحليل ما إذا كانت المساواة تتعارض ولو نسبياً مع القوامة علينا أن نقوم ببيان معنى المساواة المطلوبة والتي لطالما نادت بها المرأة.. 
معنى المساواة
المساواة لا تعني أبداً أن يكون للمرأة ما للرجل من حقوق وتحملها ما عليه من واجبات، فهناك حقوق لا يتصور أن تطالب بها المرأة أسوة بالرجل لأن ذلك يتعارض مع الطبيعة البشرية.
 مثال: هل يُتصور أن تطالب المرأة بمساواتها بالرجل في شأن نسب الأبناء لها في بطاقات تحقيق الشخصية لهم؟! إنه أمر مثير للدهشة.. أليس كذلك..!
وعلى جانب آخر هناك واجبات لا يمكن أن تتحملها المرأة في حين أن الرجل يتحمل بها دون حاجة للاتفاق على ذلك مسبقاً مثل توفير متطلبات المعيشة، فهذا الالتزام وإن كانت المرأة أحياناً تمد يد العون والمساعدة للزوج للقيام به فإنه لا يمكن مطالبتها بأن تحل محله كلياً، وبهذا نكون قد وصلنا لنقطة اتفاق في هذا الشأن ويتبقى أن نذكر ما من شأنه أن يتسبب في الخلاف..
زيادة التعقيد
من الأمور التي تزيد من تعقيد الأمر هو عدم إسباغ الوصف المناسب على الطلب، فعلى سبيل المثال تستخدم المرأة لفظ المعاملة بالمثل بدلاً من استخدام وصف جمالي وأقل حدة، فلو طالب زوجة من زوجها أن يسمح لها بالعمل المناسب حتى تستطيع اكتساب الخبرات التي تساعدها في النهوض بالمستوى الثقافي للأسرة وتستطيع تربية أبناءها على الأسس السليمة، في حين استخدمت امرأة أخرى مصطلح العمل مثل الرجل.. أو العمل مساواة بالرجل، سوف نجد أن التعبير يحمل في طياته بعض أنواع الحدة والندية التي تجعل الأمر أشبه بالنزاع أو الطبقية دون داعِ لذلك.. أليس الأمر أبسط من الوصول إلى هذا الحد؟..
فيجب تحلي المرأة بمزيد من الهدوء والتمعن في اختيار التعبير لأن هذا سيكون له نتائج عظيمة في الوصول إلى حل مناسب.. هذا بخصوص تعامل المرأة مع الأمر.

تعامل الرجل مع الأمر
أما فيما يخص تعامل الرجل فنجد أن الرجل ينظر للأمر من منظور شخصي يتمثل في شعوره بأن إعطاء زوجته مزيداً من المهام والنشاطات سيجعلها في مرتبة أعلى منه أو منافسة له تجعلها تشعر ببعض الاستقلال الذاتي أو المالي أو حتى على صعيد اتخاذ القرارات، وهذا الاعتقاد السائد لدى كثير من الرجال خاصة في مجتمعاتنا العربية يرجع للفهم الخاطئ لحقوق المرأة والممارسات الخاطئة من بعض النساء اللواتي لم يستخدمن الحكمة في الاستفادة من تلك الحقوق عندما مُنحت لهم، فكم امرأة ظنت أن باستقلالها المالي والمعني تستطيع اتخاذ القرارات بمفردها دون النظر لمصلحة الأسرة، وكم من امرأة أخرى أطلقت بعض الشعارات التي تحمل طابع التحدي والعناد في المطالبة ببعض الحقوق أسوة بالرجال، ومن ناحية أخرى تعود بعض الأسباب لشريحة من الرجال الذين ينظرون للمرأة على أنها كائن غير مكتمل له مهام محددة تنحصر في خدمة الرجل وتلبية رغباته وقضاء احتياجاته مع خضوعها الكامل له عقلياً ونفسياً ومالياً، بل إن البعض كان ينظر للمرأة على أنها كائن معدوم الإرادة تماماً، ولعل هذا ما كان سبب في تطور الخلاف حتى أصبح مترسخاً في الأذهان على أنه قضية لابد فيها من انتصار طرف على آخر.. ولعلنا نجد في البند الأخير ما يساعدنا على إيجاد الطريقة المناسبة لاحتواء الخلاف فهيا ننتقل للحديث عنه..

  • ثالثاً: احتواء الخلاف

بالرجوع إلى طبيعة خلق كل من الرجل والمرأة نجد أنه لم يكن هناك خلافات بالمعنى الذي صار عليه الآن، بل إننا قد نجد صعوبة في التعرف على أي خلاف أصلاً بين الزوجين في بداية الخلق، ولعل السبب في ذلك يكمن أن كل منهما كان يرتدي ثوب الطبيعة التي خُلق عليها ولم يتطرق لأمور أخرى من شأنه أن تنزع عنه هذا الثوب، ثوب الطبيعة الذي يقوم على المشاركة، فالرجل يملك القوة والجهد، والمرأة تملك الصبر وتسيير أمور المنزل وحسن أداءها للمهام المنزلية وتملك القدرة الفطرية على تربية الأطفال، وعندما تستطيع المرأة مساعدة الرجل في مهامه لا تتردد ولكنها لم تكن تنظر لتلك المساعدة على أنها حق لها أسوة بالرجل، بل كانت تظنها واجباً في حالة احتياج الزوج لها.. أليس هناك فرق في العقلية؟
ومن ناحية أخرى كان الرجل ينظر لتلك المساعدة بشيء من الامتنان والتقدير وهذا ما يزيد من التآلف والمحبة بينهما لأنهما يشتركان في تسيير الحياة الزوجية، هذا ما نحتاجه الآن.
التطور وأثره على الخلاف
ولعل ما تسبب في حرماننا من هذا التآلف هو التطور الذي انعكس على تفكير الكثير منا بشأن الحياة الأسرية، فلا ننكر أهمية العلم والتطور الذي وصلنا إليه لكننا نستنكر ما وصل إليه الحال من الاستخدام الخاطئ لهذا التطور، خاصة ما يجعلنا نتفنن في إيجاد الطرق التي يحارب بها كل طرف من أجل إثبات الانتصار المعنوي أو المادي على الآخر، فلسنا في حرب أو نزاع، لسنا بشأن قضية يجب إعلان حكم بالإدانة فيها، كيان الأسرة أكبر من أن يتم ربطه بأمور ما أنزل الله بها من سلطان، والحياة الخاصة لها من الأهمية ما يجعلها تحتل المراتب الأولى من الاهتمام والبحث عن الحلول لا عن الأسلحة، فلنعيد النظر جميعاً إلى طرق تعاملنا مع الأزمات، هل يحاول كل منا ارتداء ثوب طبيعته، هل يحاول الرجل أن يجعل المرأة بجانبه لتشاركه كما خلقت من أجل ذلك؟.. هل تحاول المرأة السير مع الرجل ومرافقته ومساعدته بدلاً من أن تكون خصماً له؟ 
إن الأمر لا يحتاج سوى لبضع دقائق يعلن فيها الرجل أنه على أتم الاستعداد لحماية زوجته من أي تمييز ضدها، وفي المقابل تعلن الزوجة قبولها للسير معه على أية حال والانصياع لتوجيهاته تمسكاً به قبل أن يكون طاعة له وخضوعاً لسلطته.. الأمر يحتاج فقط للعقلانية وإعلاء مصلحة الأسرة وترك النزاعات والرغبة في تحقيق الانتصارات الوهمية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع.. وفقنا الله وإياكم في حياتنا الأسرية وأعاننا على الحفاظ عليها، وجعل بين جميع الأسر ميثاقاً غليظاً.

تعليقات